قبول الأردن بتوصيات الاستعراض الدوري الشامل: التزامات حقيقية أم وعود جوفاء؟

27 مارس 2019

في 14 مارس 2019، تبنى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة النتائج الختامية للاستعراض الدوري الشامل للأردن الذي جرى في نوفمبر من السنة الماضية.

تلقى الأردن في 8 نوفمبر 2018، خلال الاستعراض الدوري الشامل، 226 توصية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وأعلن عن قبوله بـ 131 منها وأخذه علما بـ 74 توصية أخرى.

أشار الأردن أنه سيرد على التوصيات 21 المتبقية قبل انعقاد الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان التي انطلقت في 25 فبراير، وتقدم بتقييم يؤيد 16 توصية ويأخذ علما بـ 5 أخرى. من جهتها أعربت منا لحقوق الإنسان عن قلقها من تقييم الأردن واعتبرت أنه لا يقدم تحليلًا واقعيا لحالة حقوق الإنسان الحالية في البلاد، لا سيما فيما يتعلق بممارسة التعذيب والحق في حرية التعبير وتدابير مكافحة الإرهاب والاحتجاز الإداري ومبدأ عدم الإعادة القسرية.

رد الأردن على عدد من التوصيات  بشأن هذه القضايا بالقول أن قوانين وممارسات البلاد ترقى بالفعل للمعايير الدولية رغم الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك. و تخشى منا لحقوق الإنسان من افتقار الحكومة إلى الإرادة السياسية الحقيقية لمعالجة الانشغالات العميقة المتعلقة بحقوق الإنسان وبالتالي عدم الوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها خلال الاستعراض الدوري الشامل الأخير.

تجريم التعذيب

استجاب الأردن للتوصيات التي قدمتها شيلي والمكسيك لتعريف جريمة التعذيب وفقًا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. لكن عندما طُلب منه تعديل قانون العقوبات بحيث يصنف التعذيب في خانة الجرائم الخطيرة، أوضح الأردن أنه تم إصلاح قانون العقوبات في عام 2018 كجزء من إصلاح العدالة الجنائية.

وفي إطار هذا الإصلاح، تم رفع الحد الأدنى لعقوبة التعذيب من السجن لمدة ثلاثة أشهر إلى سنة واحدة. إلا أن هذه العقوبة لا تزال غير متناسبة مع خطورة الجريمة، لأنها عادة ما تكون مرتبطة بانتهاكات أخرى ناهيك عن خضوع جريمة التعذيب للتقادم.

كما أن القصور يرتبط بشكل خاص بغياب آلية مستقلة لتلقي الشكاوى ومعالجة حالات التعذيب أو سوء المعاملة المزعومة، فضلاً عن ندرة التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بهذه الحالات. وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال قضايا التعذيب خاضعة لإشراف الشرطة والمحاكم العسكرية، التي تفتقر  إجراءاتها للاستقلال والشفافية.

حرية التعبير بجميع أشكالها

أوصت عدة دول الأردن بتعديل القوانين التي تعيق حرية التعبير والمعلومات - بما في ذلك قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2015 - لضمان امتثالها للمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. اعترفت السلطات بهذه التناقضات - التي من المفترض أن تنظر فيها لجنة خاصة - وأكدت أنه "لا يجوز القبض على أي مواطن أو صحفي أو متابعته في قضايا مرتبطة بحرية الرأي أو التعبير".

لكن في الواقع، قانونا وممارسة، يمكن سجن الصحفيين بسبب مقالاتهم المطبوعة إذا ظهرت على الإنترنت، حيث ينص قانون الجرائم الإلكترونية على أنه يمكن لمستخدمي الإنترنت أن يواجهوا عقوبات بالسجن والغرامات إذا أدينوا بالتشهير على وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام عبر الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك، يشمل قانون العقوبات العديد من المخالفات المرتبطة بحرية التعبير، مثل إهانة دولة أجنبية أو أفراد من العائلة المالكة الأردنية أو التشجيع على مناهضة النظام السياسي.

في يناير 2017، اقترحت وزارة العدل تعديلات على قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2015 تتناول بشكل واضح "خطاب الكراهية". ووافقت الحكومة في يونيو 2018 على التغييرات قبل عرضها على البرلمان. في 9 ديسمبر 2018 سحبت الحكومة النص بعد ضغوط محلية ودولية. وإثر نداء رفعته منا لحقوق الإنسان في 15 نوفمبر 2018 قام المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير بحث الحكومة الأردنية على إعادة النظر في التعديلات المقترحة.

في 11 ديسمبر 2018، تقدمت السلطة التنفيذية بتعديلات بديلة إلى البرلمان دون أي تشاور مسبق من منظمات المجتمع المدني. وأوضح الأردن في عرضه أمام مجلس حقوق الإنسان، أن البرلمان يقوم حاليا بمراجعة تعريف خطاب الكراهية. وعلى الرغم من أن النص لم يُنشر بعد، إلا أن هناك أسبابًا قوية تدعو للاعتقاد بأن الحكومة أدرجت أحكامًا إضافية كحظر نشر "الأخبار الكاذبة" وهي الأحكام التي لا تتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تحكم حرية التعبير على الإنترنت.

حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب

وافق الأردن على توصية صادرة عن بلجيكا بشأن الحاجة إلى تعديل قانون مكافحة الإرهاب لجعله متماشياً مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وزعم في نفس الآن أنه يتوافق بالفعل مع المعايير الدولية. والواقع أن هذا غير صحيح، حيث أن التعديلات الأخيرة التي أدخلت في عام 2014 على قانون مكافحة الإرهاب لعام 2006، جعلت تعريف الإرهاب فضفاضا مما يسمح للسلطات باحتجاز ومحاكمة الأفراد الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي. و كانت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قد أعربت في ملاحظاتها الختامية الأخيرة عن قلقها إزاء هذا التعريف الواسع للإرهاب.

الاحتجاز الإداري

أوصت حكومة أيرلندا بأن يحد الأردن من استخدامه للاحتجاز الإداري، ورد الأردن على ذلك بأن الاحتجاز الإداري يستخدم فقط ضد الأفراد الذين لديهم خلفية جنائية. ومع ذلك ، فقد سُجنت العديد من النساء اللائي يواجهن العنف المنزلي لفترات طويلة "من أجل حمايتهن".

أكدت الحكومة أن المحتجزين الإداريين يحتفظون بالحق في الطعن في قانونية اعتقالهم. وذكرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان مؤخرًا إلى "أن هذه الحالات تتطلب محامين يتوفرون على مؤهلات خاصة وأن خدماتهم باهظة الثمن، وأن هذا الطعن ليس له سوى أمل ضئيل في النجاح ولا يستخدم كثيرًا في الممارسة ".

الحق في طلب اللجوء وإنفاذ مبدأ عدم الإعادة القسرية

ادعى الأردن تنفيذه للتوصية التي تقدمت بها الأرجنتين بشأن "تعميق التدابير" لضمان مبدأ عدم الإعادة القسرية، رغم أن البلاد ليست بعد طرفًا في اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين. أوصت المفوضية السامية للاجئين قبل الاستعراض الدوري الشامل الثالث للأردن، بأن تعتمد المملكة تشريعات وطنية تحكم شؤون اللاجئين واللجوء.

يستضيف الأردن حاليًا ما يقدر بنحو 1.4 مليون لاجئ سوري، إلا أن البلاد بدأت في تشديد القيود على الحدود في عام 2014، مما يحد من عدد دخول قادمين جدد. ونبهت لجنة مناهضة التعذيب في ملاحظاتها الختامية الصادرة في عام 2016 إلى "تقارير عن سياسات حدودية غير متسقة"، لا سيما سياسة عدم السماح للاجئين الفلسطينيين الفارين من النزاع في سوريا.

علاوة على ذلك، أغلقت الأردن حدودها مع سوريا إثر هجوم إرهابي في يونيو 2016، تاركة أكثر من 80،000 لاجئ تقطعت بهم السبل في منطقة صحراوية تعرف باسم "الجدار الرملي". بالإضافة إلى ذلك، ذكر تقرير لهيومن رايتس ووتش أنه منذ عام 2016، انتهك الأردن مبدأ عدم الإعادة القسرية بترحيل مئات اللاجئين السوريين دون منحهم فرصة حقيقية للطعن في قانونية ترحيلهم، ولم تأخذ السلطات بعين الاعتبار حاجتهم إلى الحماية الدولية.

آخر الأخبار