في 30 نوفمبر 2018، قدم الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي مشروع القانون الأساسي رقم 2018 ، بشأن تنظيم حالة الطوارئ إلى مجلس نواب الشعب، والذي أثار على الفور معارضة المجتمع المدني التونسي. إذ بدلاً من وضع حد لممارسات النظام القديم، يوسع النص نطاق التدابير الاستثنائية الواردة في المرسوم رقم 78-50 الذي يهدف إلى استبداله. وأمام الانتقادات الواسعة، اقترحت اللجنة البرلمانية المعنية بالحقوق والحريات والعلاقات الخارجية عددًا من التعديلات دون معالجة بواعث القلق التي أثارتها المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان.
تعيش تونس في ظل حالة الطوارئ، التي أُعلن عنها عقب عقب التفجيرات الإرهابية التي عرفتها البلاد في 24 نوفمبر 2015. ولم تتوقف رئاسة الجمهورية منذ ذلك الحين عن تجديد العمل بحالة الطوارئ "آخرها في 4 أغسطس 2019"، بينما لا يبرر الوضع الأمني ذلك بشكل منهجي. في هذا السياق، وجه خمسة مقررين أمميين خاصين إلى السلطات التونسية رسالة في 26 أغسطس 2019 يتطرقون فيها إلى مخاوفهم الرئيسية بشأن مشروع القانون.
ماذا يقول خبراء الأمم المتحدة؟
أعرب المقررون الخاصون أولاً عن قلقهم بشأن "التقييم غير الموضوعي لحالة الطوارئ الذي يفوق ما يقتضيه القانون الدولي"، والذي ينص على أن صلاحيات الطوارئ لا تنطبق إلا إذا كان الموقف "يتهدد حياة الأمة".
كما انتقدوا غياب رقابة تشريعية على تجديد العمل بحالة الطوارئ، إذ يكتفي الرئيس بإبلاغ البرلمان بالأسباب التي تبرر التمديد، و لا يحتاج إلى موافقة رسمية من البرلمانيين. لذلك أصر المقررون الأمميون على ضرورة إخضاع هذا الإجراء إلى "الرقابة البرلمانية من أجل شرعية وشفافية ورصد أي لجوء إلى سلطات استثنائية".
وذكر المقررون الخاصون أن مشروع القانون يمنح سلطات تقديرية واسعة للسلطات الإقليمية (أي الولاة)، كصلاحية "منع كل صد عن العمل" أو "الإغلاق المؤقت لقاعات الاجتماعات"، و "منع جولان الأشخاص"، و "تسخيرالممتلكات" وهو ما قد يؤدي إلى انتهاك الحقوق الأساسية الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
يمنح مشروع القانون أيضا مجموعة واسعة من الصلاحيات لوزير الداخلية، كإخضاع، إلى أجل غير مسمى، كل أي شخص "يهدد الأمن والنظام العام". وانتقد المقررون الخاصون انعدام حد زمني لهذا الإجراء، موضحين أن تقييم التهديد من اختصاص في وزير الداخلية فقط. كما أن الوضع تحت الإقامة الجبرية لا يخضع للحق في الطعن في قانونية الحرمان من الحرية والانتصاف القضائي.
إضافة إلى ذلك يتمتع وزير الداخلية بصلاحية وضع الأشخاص تحت "الرقابة الوقائية"، وإجبارهم على التوجه إلى مركز الشرطة مرتين في اليوم، واعتراض اتصالاتهم والوصول إلى مراسلاتهم. أعرب المقررون عن قلقهم من عدم وجود إذن قضائي لاعتراض الاتصالات. بالإضافة إلى ذلك ، "إن حق الأفراد في الانتصاف الفعال مقيد بسرية إجراءات تجميع الاتصالات".
كما أن حرية تكوين الجمعيات ستتأثر بشدةً بالتعديلات المذكورة، حيث يجوز لوزارة الداخلية أن تأمر "بتعليق نشاط كل جمعية ثبت مساهمتها أو مشاركتها خلال حالة الطوارئ في أعمال مخلة بالأمن والنظام العام أو يمثل نشاطها عرقلة لعمل السلط العمومية". فيما يتعلق بهذه النقطة ، أوضح المقررون الخاصون أن اللجوء إلى "استخدام تدابير عامة وواسعة لمكافحة الإرهاب وللحالات الاستعجالية من أجل الحد من عمل الجمعيات سيكون له تأثير عميق وضار بالحق في تكوين الجمعيات والتجمع والتعبير".
ويؤكد التجديد المستمر لحالة الطوارئ منذ عام 2015 مخاوف المقررين الخاصين بشأن مشروع، مما أدى إلى العديد من التجاوزات التي أشار إليها المقرّر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريّات الأساسيّة في سياق مكافحة الإرهاب بعد زيارته للبلاد في عام 2017. ونصح السلطات التونسية "بالسعي لاستخدام القانون العام أولاً في حالة حدوث أزمة كبيرة"، لتجنب العديد من مشاكل حقوق الإنسان التي تنشأ عن استخدام الصلاحيات الاستثنائية ".
لا يزال مشروع قانون 91-2018 بشأن تنظيم حالة الطوارئ قيد النظر في البرلمان، وتدعو منا لحقوق الإنسان ومنظمة Article 19 Middle East & North Africa (المادة 19 للشرق الأوسط وشمال إفريقيا) البرلمانيين إلى استخدام الملاحظات التي أبداها المقررون الخاصون في مذكرتهم لضمان توافق مشروع القانون مع القانون الدولي.