12 أكتوبر 2021
قالت خمس منظمات دولية لحقوق الإنسان اليوم إنّ على السلطات الجزائرية وقف جهودها لحلّ جمعية مدنية بارزة بسبب انتهاكها المزعوم لقانون الجمعيات. من المُنتظر أن تُصدر محكمة إدارية حُكما يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021 في قضيّة رفعتها وزارة الداخليّة ضدّ جمعية "تجمع – عمل – شبيبة" (المعروفة بالمُسمى الفرنسي Rassemblement Actions Jeunesse أو "راج").
في 29 سبتمبر/أيلول، نظرت محكمة بئر مراد رايس بالعاصمة في عريضة لحلّ راج زعمت أنّ أنشطتها "السياسية" خرقت الأهداف المنصوص عليها في قانونها الأساسي. أنكر قادة راج التهمة، وأكدوا أن السلطات تستهدف الجمعية بسبب دعمها "للحراك" المؤيد للديمقراطية، الذي انطلق في 2019.
المنظمات الحقوقية الخمسة هي "هيومن رايتس ووتش"، و"منظمة العفو الدولية"، و"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، و"الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان"، و"منّا لحقوق الإنسان".
قال إريك غولدستين، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: "السعي إلى حلّ إحدى أكبر جمعيات المجتمع المدني على أسس واهية هو محاولة أخرى لسحق الحراك. تأتي هذه الخطوة في ظلّ استمرار الاعتقالات التعسفية، ومحاكمات النشطاء والصحفيين، وتوقيف المتظاهرين".
قمعت قوات الأمن الجزائرية باستمرار الأفراد والمجموعات المرتبطة بالحراك، وهو حركة احتجاجية تحشد أعدادا كبيرة من المتظاهرين منذ فبراير/شباط 2019. يواصل المتظاهرون المطالبون بإصلاحات ديمقراطية الخروج إلى الشارع بعد أن استقال الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان 2019، وخلفه عبد المجيد تبّون بعد سبعة أشهر في انتخابات متنازع حولها.
تأسست راج في 1992 بهدف "تعزيز النشاط الثقافي، وحقوق الإنسان، وقِيَم المواطنة"، بحسب قانونها الأساسي، ثم أصبحت معروفة بعملها في مجال التعبئة على مستوى القواعد الشعبية بين الشباب الجزائري.
أيّدت راج الحراك بشكل علني، وأصبح مقرّها نقطة التقاء ونقاش لدى النشطاء. في 2019، شاركت راج في تأسيس "ميثاق البديل الديمقراطي"، وهو مجموعة من أحزاب المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني، وأعضاء من النقابات العمالية، ومحامين، ومثقفين. رفض الميثاق انتخاب تبّون، وطالب بإصلاح عميق لمؤسسات الدولة. حاكمت السلطات 11 من أعضاء راج، وسجنت ما لا يقلّ عن تسعة من قادة الحركة ونشطائها بتهم تتعلق بالتعبير في أوقات مختلفة من 2019، وحظرت بعض أنشطتها، مثل "المدرسة الصيفية" في أغسطس/آب 2019.
قالت ناداج لحمر، باحثة في الشؤون المغاربية في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: "حلّ جمعية راج سيكون بمثابة تدهور جديد في حرية تكو ين الجمعيات. استهداف السلطات لجمعية شبابية داعمة للحراك يعني أنها تسعى إلى إسكات الأصوات المستقلة والسلميّة".
في 26 مايو/أيار، أعلنت راج أنه تمّ إبلاغها بعريضة قدّمتها وزارة الداخلية لمحكمة إدارية لطلب حلّها. زعمت العريضة أن المجموعة شاركت في أنشطة "متناقضة مع تلك المنصوص عليها عند تأسيسها"، وقد " أجرت أنشطة مع أجانب"، و"ساهمت في تحريض الناس على التجمع دون ترخيص"، و "تبنّت خطة ذات طبيعة سياسية بهدف خلق الفوضى وتعكير صفو النظام العام".
قال عبد الوهاب فرساوي، رئيس راج، لـ هيومن رايتس ووتش: "اتهام وزارة الداخلية لـ راج بخرق القانون يستند إلى الأنشطة العامة اليومية التي نظمتها الجمعية أثناء الحراك، مثل المنتديات، والمناظرات، والمبادرات المواطنية... مع ملايين الجزائريين من أجل التوصل إلى حلّ موحّد وتوافقي للأزمة".
ينصّ "قانون الجمعيات" الجزائري لسنة 2012 في المادة 43 منه على أنه يُمكن للسلطات السعي إلى الحصول على حكم من المحكمة بحلّ جمعيّة ما "عندما تمارس نشاطا أو عدة أنشطة أخرى غير تلك التي نصّ عليها قانونها الأساسي". استشهدت عريضة الحكومة أيضا بالمادة 13، التي تنصّ على أن الجمعيات "تتميز بهدفها وتسميتها وعملها عن الأحزاب السياسية، ولا يُمكنها أن تكون لها أية علاقة بها سواء كانت تنظيمية أو هيكلية". ترى السلطات أن المنظمة "تبنت خططا ذات طبيعة سياسية" بربط علاقات مع حزبين سياسيين معارضين، ودعت وشاركت في مسيرات 2019، ورفعت شعارات تطالب بـ "جزائر حرة وديمقراطية". زعمت العريضة أيضا أنّ راج "تُشكّل خطرا على السيادة الوطنية، والسياسة الخارجية للدولة، والنظام العام والأمن".
تنصّ المادة 2 من قانون الجمعيات على أن تكون أهداف الجمعية "ضمن الصالح العام، وأن لا تكون مخالفة للثوابت والقيم الوطنية والنظام العام والآداب العامة". قالت هيومن رايتس ووتش إنّ الصياغة الفضفاضة جدا لهذه البنود لا تسمح للجمعيات من التوقع بشكل معقول ما إذا كانت أنشطتها ترقى إلى مستوى الجريمة، وفيها تهديد لممارسة الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات.
رأت العريضة أيضا أنّ الجمعية خرقت المادة 23 من قانون الجمعيات التي تنص على أن يكون التعاون مع المنظمات الدولية والأجنبية "في ظلّ احترام القيم والثوابت الوطنية" و"يخضع إلى الموافقة المسبقة للسلطات المختصة". اتهمت العريضة الجمعية بمقابلة ممثلين عن منظمة العفو الدولية و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان".
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ الأحكام القانونية التي استخدمتها السلطات الجزائرية لالتماس حلّ راج تتعارض مع الحق في حرية تكوين الجمعيات. يجب أن تكون الجمعيات حرّة في تحديد قوانينها وأنشطتها واتخاذ قراراتها دون تدخل من الدولة، وينبغي ألا تواجه عقوبة الحلّ النهائي بسبب أنشطة قانونية وسلمية. ينبغي أن تكون حرة في إقامة علاقات مع كيانات خارجية تخضع لقوانين إفصاح معقولة، لكن دون موافقة حكومية مسبقة.
استشهدت العريضة ببرنامج تلفزيوني يعود إلى 2019 عبّر فيه عبد الوهاب فرساوي، رئيس الجمعية عن دعمه لسياسيين معتقلين "كدليل على أنشطة راج السياسية"، وإلى نقاش سياسي على "فيسبوك" انتقد فيه فرساوي قمع نشطاء الحراك ودعا إلى استئناف الاحتجاجات في الشوارع بعد رفع قيود الصحة العامة المتعلقة بجائحة "كورونا".
في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2019، اعتُقل فرساوي في اعتصام تضامني مع معتقلي الحراك، واتُهِم بـ "المساس بسلامة التراب الوطني ". في أبريل/نيسان 2020، حُكم عليه بالسجن لمدة سنة، لكن أطلق سراحه بعد شهر، بعد قضائه سبعة أشهر في الحبس الإحتياطي. استشهدت الحكومة بمحاكمة فرساوي والحكم الصادر ضدّه كدليل على انخراط راج في أنشطة غير قانونية.
في 2019 و2020، اعتُقل العديد من الأعضاء البارزين في راج، مثل مؤسسها حكيم عدّاد، خلال مسيرات الحراك، واتُهموا بـ "التجمهر غير القانوني" و"المساس بسلامة وحدة الوطن". في 22 يونيو/حزيران، برّأت محكمة سيدي امحمّد هؤلاء النشطاء من التهم الموجهة إليهم، وهم جلال مقراني، وحكيم عداد، وكمال ولد اعلي، وحميمي بويدر، ومسينيسا عيسوس.
في قضيّة أخرى، حكمت محكمة سيدي امحمد يوم 8 يوليو/تموز على عدّاد غيابيا بالسجن لمدة سنة بتهمة "التحريض على التجمهر غير المسلح"، وتهم أخرى على خلفية منشورات على الانترنت ساند فيها الحراك.
وثقت هيومن رايتس ووتش في الماضي استخدام السلطات الجزائرية لقانون الجمعيات لقمع الحق في تكوين الجمعيات. في فبراير/شباط 2018، أغلقت السلطات مكاتب لمنظمتين لحقوق المرأة في وهران، غرب الجزائر العاصمة، بتعلّة أنهما غير مسجلتين، رغم أن كلا الجمعيتين أكدتا أنهما قدمتا مطالب تسجيل.
في مايو/أيار 2012، وصف المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات قانون الجمعيات بـ "الخطوة إلى الوراء".
تكفل المادة 52 من الدستور الجزائري الحق في تكوين الجمعيات، وكذا تفعل المادة 10 من "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب"، والمادة 22 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، والجزائر طرف فيه منذ 1989.
قالت آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العفو الدولية: "العريضة التي قدمتها السلطات الجزائرية لحلّ راج تعتبر مؤشرا مثيرا للقلق عن عزمها اتخاذ المزيد من الإجراءات الصارمة ضدّ النشاط المستقل، وقمع حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي. يتعيّن على السلطات إلغاء قانون الجمعيات القمعي في الجزائر بدلا من استخدامه لسحق المعارضة".